فصل: ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر خروج يوسف البرم‏.‏

في هذه السنة خرج يوسف بن إبراهيم المعروف بالبرم بخراسان منكرًا هو ومن معه على المهدي سيرته التي يسر بها واجتمع معه بشر كثير فتوجه إليه يزيد بن مزيد الشيباني وهو ابن أخي معن بن زائدة فلقه فاقتتلا حتى صارا إلى المعانقة فأسره يزيد بن مزبد وبعث به إلى المهدي وبعث معه وجوه أصحابه فلما بلغوا النهروان حمل يوسف على بعير قد حول وجهه إلى ذنبه وأصحابه مثله فأدخلوهم الرصافة على تلك الحال وقطعت يدا يوسف ورجلاه وقتل هو وأصحابه وصلبوا على الجسر‏.‏

وقد قيل إنه كان حروريًا وتغلب على بوشنج وعليها مصعب بن زريق جد طاهر بن الحسين فهرب منه وتغلب أيضًا على مرو الروذ والطالقان والجوزجان وقد كان من جملة أصحابه أبو معاذ الفريابي فقبض معه‏.‏

  ذكر بيعة موسى الهادي

كان جماعة من بني هامش وشيعة المهدي قد خاضوا في خلع عيسى بن موسى من ولاية العهد والبيعة لموسى الهادي بن المهدي فلما علم المهدي بذلك سره وكتب إلى عيسى بن موسى بالقدوم عليه وهو بقرية الرحبة من أعمال الكوفة فأحس عيسى بالذي يراد منه فامتنع من القدوم فاستعمل المهدي على الكوفة روح بن حاتم للإضرار به فلم يجد روح إلى الإضرار به سبيلًا لأنه كان لا يقرب البلد إلا كل جمعة أو يوم عيد‏.‏

وألح المهدي عليه وقال له‏:‏ إنك لم تجبني إلى أن تنخلع من ولاية العهد لموسى وهارون استحللت منك بمعصيتك ما يستحل من أهل المعاصي وإن أجبتني عوضتك منها ما هو أجدى عليك وأعجل نفعًا فلم يقدم عليه وخيف انتفاضه فوجه إليه المهدي عمه العباس بن محمد برسالة وكتاب يستدعيه فلم يحضر معه فلما عاد والعباس وجه المهدي إليه أبا هريرة محمد بن فروخ القائد في ألف من أصحابه ذوي البصائر في التشيع للمهدي وجعل مع كل واحد منهم طبلًا وأمرهم أن يضربوا طبولهم جميعًا عند قدومهم إليه فوصلوا سحرًا وضربوا طبولهم فارتاع عيسى روعًا شديدًا ودخل عليه أبو هريرة وأمره بالشخوص معه فاعتل بالشكوى فلم يقبل منه وأخذه معه‏.‏

فلما قدم عيسى بن موسى نزل دار محمد بن سليمان في عسكر المهدي فأقام أيامًا يختلف إلى المهدي ولا يكلم بشيء ولا يرى مكروهًا فحضر الدار يومًا قبل جلوس المهدي فجلس في مقصورة للربيع وقد اجتمع شيعة رؤساء المهدي على خلعه فثاروا به وهو في المقصورة فأغلق الباب دونهم فضربوا الباب بالعمد حتى هشموه وشتموا عيسى أقبح الشتم وأظهر المهدي إنكارًا لما فعلوه فلم يرجعوا فبقوا في ذلك أيامًا إلى أن كاشفه أكابر أهل بيته وكان أشدهم عليه محمد بن سليمان‏.‏

وألح عليه المهدي فأبى وذكر أن عليه إيمانًا في أهله وماله فأحضر له من القضاة والفقهاء عدة منهم‏:‏ محمد بن عبد الله بن علاثة ومسلم بن خالد الزنجي فأفتوه بما رأوا فأجاب إلى خلع نفسه لأربع بقين من المحرم وبايع للمهدي ولابنه موسى الهادي‏.‏

ثم جلس المهدي من الغد وأحضر أهل بيته وأخذ بيعتهم ثم خرج إلى الجامع وعيسى معه فخطب الناس وأعلمهم بخلع عيسى والبيعة للهادي ودعاهم إلى البيعة فسارع الناس إليها وأشهد على عيسى بالخلع فقال بعض الشعراء‏:‏ كره الموت أبو موسى وقد كان في الموت نجاةٌ وكرم خلع الملك وأضحى ملبسًا ثوب لؤمٍ ما ترى منه القدم الرحبة بضم الراء قرية عند الكوفة وصبح بضم الصاد المهملة وكسر الباء الموحدة‏.‏

  ذكر فتح مدينة باربد

كان المهدي قد سير سنة تسع وخمسين ومائة جيشًا في البحر وعليهم عبد الملك بن شهاب المسمعي إلى بلاد الهند في جمع كثير من الجند والمتطوعة وفيهم الربيع بن صبيح فساروا حتى نزلوا على باربد فلما نازلوها حصروها من نواحيها وحرص الناس بعضهم بعضًا على الجهاد وضايقوا أهلها ففتحها الله عليهم هذه السنة عنوةً واحتمى أهلها بالبد الذي لهم فأحرقه المسلمون عليهم فاحترق بعضهم وقتل الباقون واستشهد من المسلمين بضعةٌ وعشرون رجلًا وأفاءها الله عليهم فهاج عليهم البحر فأقاموا إلى أن يطيب فأصابهم مرض في أفواههم فمات منهم نحو من ألف رجل فيهمالربيع بن صبيح ثم رجعوا‏.‏

فلما بلغوا ساحلًا من فارس يقال له بحر حمران عصفت بهم الريح ليلًا فانكسر عامة مراكبهم فغرق البعض ونجا البعض‏.‏

قيل‏:‏ وفيها جعل أبان بن صدقة كاتبًا لهارون الرشيد ووزيرًا له‏.‏

وفيها عزل أبو عون عن خراسان عن سخطة واستعمل عليها معاذ بن مسلم‏.‏

وفيها غزا ثمامة بن العبس الصائفة وغزا الغمر بن العباس الخثعمي بحر الشام‏.‏

  ذكر رد نسب آل أبي بكرة وآل زياد

وفي هذه السنة أمر المهدي برد نسب آل أبي بكر من ثقيف إلى ولاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏.‏

وسبب ذلك أن رجلًا منهم رفع ظلامته إلى المهدي وتقرب إليه فيها بولاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له المهدي‏:‏ إن هذا نسب ما يقرون به إلا عند الحاجة والاضطرار إلى التقرب إلينا‏.‏

فقال له‏:‏ من جحد ذلك يا أمير المؤمنين فإنا سنقر وأنا أسألك أن تردني ومعشر آل أبي بكرة إلى نسبنا من ولاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتأمر بآل زياد فيخرجوا من نسبهم الذي ألحقوا به ورغبوا عن قضاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ إن الولد للفراش وللعاهر الحجر ويردوا إلى عبيد في موالي ثقيف‏.‏

فأمر المهدي برد آل أبي بكرة إلى ولاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـوكتب فيه إلى محمد بن موسى بذلك وأن من أقر منهم بذلك ترك ماله بيده ومن أباه اصطفى ماله‏.‏

فعرضهم فأجابوا جميعًا إلا ثلاثة نفر وكذلك أيضًا أمر برد نسب آل زياد إلى عبيد وأخرجهم من قريش‏.‏

فكان الذي حمل المهدي على ذلك مع الذي ذكرناه أن رجلًا من آل زياد قدم عليه يقال له الصغدي بن سلم بن حرب بن زياد فقال له المهدي‏:‏ من أنت فقال‏:‏ ابن عمك‏.‏

فقال‏:‏ أي بني عمي أنت فذكر نسبه فقال المهدي‏:‏ يا ابن سمية الزانية‏!‏ متى كنت ابن عمي وغضب وأمر به فوجئ في عنقه وأخرج وسأل عن استلحاق زياد ثم كتب إلى العامل بالبصرة بإخراج آل زياد من ديوان قريش والعرب وردهم إلى ثقيف وكتب في ذلك كتابًا بالغًا يذكر فيه استلحاق زياد ومخالفة حكم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـفيه فأسقطوا من ديوان

إنّ زيادًا ونافعًا وأبا بكرة عندي من أعجب العجب ذا قرشيٌّ كما يقول وذا مولىً وهذا بزعمه عربي ذكر عدة حوادث وفي هذه السنة توفي عبد الله بن صفوان الجمحي أمير المدينة واستعمل عليها مكانه محمد بن عبد الله الكثيري ثم عزل واستعمل مكانه زفر بن عاصم الهلالي وجعل على القضاء عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي‏.‏

وفيها خرج عبد السلام الخارجي بنواحي الموصل وفيها عزل بسطام بن عمرو عن لسند واستعمل عليها روح بن حاتم وحج بالناس هذه السنة المهدي واستخلف على بغداد ابنه موسى وخاله يزيد بن منصور واستصحب معه جماعة من أهل بيته وابنه هارون الرشيد وكان معه يعقوب بن داود فأتاه بمكة بالحسن بن إبراهيم بن عبد الله العلوي الذي كان استأمن له فوصله المهدي وأقطعه‏.‏

وفيها نزع المهدي كسوة الكعبة وكساها كسوة جديدة وكان سبب نزعها أن حجبة الكعبة ذكروا له أنهم يخافون على الكعبة أن تتهدم لكثرة ما عليها من الكسوة فنزعها وكانت كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين وما قبلها من عمل اليمن وقسم مالًا عظيمًا وكان معه من العراق ثلاثون ألف ألف درهم ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار ففرق ذلك كله وفرق مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـوأخذ خمسمائة من الأنصار يكونون حرسًا له بالعراق وأقطعهم بالعراق وأجرى عليهم الأرزاق‏.‏

وحمل إليه محمد بن سليمان الثلج إلى مكة وكان أول خليفة حمل إليه الثلج إلى مكة ورد المهدي على أهل بيته وغيرهم وظائفهم التي كانت مقبوضة عنهم‏.‏

وكان لي البصرة وكور دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس محمد بن سليمان وعلى خراسان معاذ بن مسلم وباقي الأمصار على ما تقدم ذكره‏.‏

وفيها أرسل عبد الرحمن الأموي بالأندلس أبا عثمان عبيد الله بن عثمان وتمام بن علقمة إلى شقنا فحاصراه شهورًا بحصن شبطران وأعياهما أمره فقفلا عنه ثم إن شقنا بعد عودهما عنه خرج من شبطران إلى قرية من قرى شنت برية راكبًا على بغلته التي تسمى الخلاصة فاغتاله أبو معن وأبو خزيم وهما من أصحابه فقتلاه ولحقا بعبد الرحمن ومعهما رأسه فاستراح الناس من شره‏.‏

وفيها مات داود بن نصير الطائي الزاهد وكان من أصحاب أبي حنيفة وعبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي أيضًا وشعبة بن الحجاج أبو بسطام وكان عمره سبعًا وسبعين سنة وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي وقيل توفي سنة أربع وستين‏.‏

وفيها توفي الربيع بن مالك بن أبي عامر عم مالك بن أنس الفقيه كنيته أبو مالك وكانوا أربعة إخوة أكبرهم أنس والد مالك ثم أويس جد إسماعيل بن أويس ثم نافع ثم الربيع‏.‏

وفيها توفي خليفة بن خياط العصفري الليثي وهو جد خليفة بن خياط‏.‏

خياط بالخاء المعجمة وبالياء المثناة من تحت وفيها توفي الخليل بن أحمد البصري الفرهودي النحوي الإمام المشهور في النحو أستاذ سيبويه‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة

  ذكر هلاك المقنع

في هذه السنة سار معاذ بن مسلم وجماعة من القواد والعساكر إلى المقنع وعلى مقدمته سعيد الحرشي وأتاه عقبة بن مسلم من زم فاجتمع به بالطواويس وأوقعوا بأصحاب المقنع فهزموهم فقصد المنهزمون إلى المقنع بسنام فعمل خندقها وحصنها وأتاهم معاذ فحاربهم فجرى بينه وبين الحرشي نفرةٌ فكتب الحرشي إلى المهدي في معاذ ويضمن له الكفاية إن أفرده بحرب المقنع فأجابه المهدي إلى ذلك فانفرد الحرشي بحربه وأمده معاذ بابنه رجاء في جيش وبكل ما التمسه منه وطال الحصار على المقنع فطلب أصحابه الأمان سرًا منه فأجابهم الحرشي إلى ذلك فخرج نحو ثلاثين ألفًا وبقي معه زهاء ألفين من أرباب البصائر‏.‏

وتحول رجاء بن معاذ وغيره فنزلوا خندق المقنع في أصل القلعة وضايقوه‏.‏

فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وأهله وسقاهم السم فأتى عليهم وأمر أن يحرق هو بالنار لئلا يقدر على جثته وقيل‏:‏ بل أحرق كل ما في قلعته من دابة وثوب وغير ذلك ثم قال‏:‏ من أحب أن يرتفع معي إلى السماء فليلق نفسه معي في هذه النار‏!‏ وألقى بنفسه مع أهله ونسائه وخواصه فاحترقوا ودخل العسكر القلعة فوجدوها خالية خاوية‏.‏

وكان ذلك مما زاد في افتتان من بقي من أصحابه والذين يسمون المبيضة بما وراء النهر من أصحابه إلا أنهم يسرون اعتقادهم وقيل‏:‏ بل شرب هو أيضًا من السم فمات فأنفذ الحرشي رأسه إلى المهدي فوصل إليه وهو بحلب سنة ثلاث وستين ومائة في غزواته‏.‏

  ذكر تغير حال أبي عبيد الله

في هذه السنة تغيرت حال أبي عبيد الله وزير المهدي وقد ذكرنا فيما تقدم سبب اتصاله به أيام المنصور ومسيره معه إلى خراسان فحكى الفضل بن الربيع أن الموالي كانوا يقعون في أبي عبيد الله عند المهدي ويحرضونه عليه وكانت كتب أبي عبيد الله ترد على المنصور بما يفعل ويعرضها على الربيع ويكتب الكتب إلى المهدي بالوصاة به وترك القول فيه‏.‏

ثم إن الربيع حج مع المنصور حين مات وفعل في بيعه المهدي ما ذكرناه فلما قدم جاء إلى باب أبي عبيد الله قبل المهدي وقبل أن يأتي أهله فقال له ابنه الفضل‏:‏ تترك أمير المؤمنين ومنزلك وتأتيه‏!‏ قال‏:‏ هو صاحب الرجل وينبغي أن نعامله غير ما كنا نعامله به ونترك ذكر نصرتنا له‏.‏

فوقف على بابه من المغرب إلى أن صليت العشاء الآخرة ثم أذن له فدخل فلم يقم له وكان متكئًا فلم يجلس ولا أقبل عليه وأراد الربيع أن يذكر له ما كان منه في أمر البيعة فقال‏:‏ قد بلغنا أمركم فأوغر صدر الربيع فلما خرج من عنده قال له ابنه الفضل‏:‏ لقد بلغ فعل هذا بك ما فعل وكان الرأي أن لا تأتيه وحيث أتيته وحجبك أن تعود وحيث دخلت عليه فلم يقم لك أن تعود‏.‏

فقال لابنه‏:‏ أنت أحمق حيث تقول‏:‏ كان ينبغي أن لا تجيء وحيث جئت وحجبت أن تعود ولما دخلت فلم يقم لك كان ينبغي أن تعود ولم يكن الصواب إلا ما عملته ولكن والله وأكد وسعى في أمره فلم يجد عليه طريقًا لاحتياطه في أمر دينه وأعماله فأتاه من قبل ابنه محمد فلم يزل يحتال ويدس إلى المهدي ويتهمه ببعض حرمه وبأنه زنديق حتى استحكمت التهمة عند المهدي بابنه فأمر به فأحضر وأخرج أبوه ثم قال له‏:‏ يا محمد‏!‏ اقرأ فلم يحسن يقرأ شيئًا فقال لأبيه‏:‏ ألم تعلمني أن ابنك يحفظ القرآن قال‏:‏ بلى ولكنه فارقني منذ سنين وقد نسي‏.‏

قال‏:‏ فقم فتقرب إلى الله بدمه فقام ليقتل ولده فعثر فوقع فقال العباس بن محمد‏:‏ إن رأيت أن يعفي الشيخ فافعل‏.‏

فأمر بابنه فضربت عنقه وقال له الربيع‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ تقتل ابنه وتثق إليه‏!‏ لا ينبغي ذلك‏.‏

فاستوحش منه وكان من أمره ما نذكره‏.‏

  ذكر عبور الصقلبي إلى الأندلس وقتله

وفي هذه السنة وقيل سنة ستين عبر عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف بالصقلبي وإنما سمي به لطوله وزرقته وشقرته من إفريقية إلى الأندلس محاربًا لهم ليدخلوا في الطاعة للدولة العباسية وكان عبوره في ساحل تدمير وكاتب سليمان بن يقظان بالدخول في أمره ومحاربة عبد الرحمن الأموي والدعاء إلى طاعة المهدي‏.‏

وكان سليمان ببرشلونة فلم يجبه فاغتاظ عليه وقصد بلده فيمن معه من البربر فهزمه سليمان فعاد الصقلبي إلى تدمير وسار عبد الرحمن الأموي نحوه في العدد والعدة وأحرق السفن تضييقًا على الصقلبي في الهرب فقصد الصقلبي جبلًا منيعًا بناحية بلنسية فبذل الأموي ألف دينار لمن أتاه برأسه فاغتاله رجل من البربر فقتله وحمل رأسه إلى عبد الرحمن فأعطاه ألف دينار وكان قتله سنة اثنتين وستين ومائة‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفيها ظفر نصر بن محمد بن الأشعث بعبد الله بن مروان بالشام فأخذه وقدم به على المهدي فحبسه في المطبق وجاء عمرو بن سهلة الأشعري فادعى أن عبد الله قتل أباه وحاكمه عند عافية القاضي فتوجه الحكم على عبد الله فجاء عبد العزيز بن مسلم العقيلي إلى القاضي فقال‏:‏ زعم عمرو بن سهلة أن عبد الله قتل أباه وكذب والله ما قتل أباه غيري أنا قتلته بأمر مروان وعبد الله بريء من دمه فترك عبد الله ولم يعرض المهدي لعبد العزيز لأنه قتله بأمر مروان‏.‏

وفيها غزا الصائفة ثمامة بن الوليد فنزل بدابق وجاشت الروم مع ميخائيل في ثمانين ألفًا فأتى عمق مرعش فقتل وسبى وغنم وأتى مرعش فحاصرها فقاتلهم فقتل من المسلمين عدة كثيرة‏.‏

وكان عيسى بن علي مرابطًا بحصن مرعش فانصرف الروم إلى جيحان وبلغ الخبر المهدي فعظم عليه وتجهز لغزو الروم على ما سنذكره سنة اثنتين وستين ومائة فلم يكن للمسلمين صائفة من أجل ذلك‏.‏

وفيها أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور التي بناها السفاح من القادسية إلى زبالة وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل منها وبتجديد الأميال والبرك وبحفر الركايا وولي ذلك يقطين بن موسى وأمر بالزيادة في مسجد البصرة وتقصير المنابر في البلاد وجعلها بمقدار منبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى اليوم‏.‏

وفيها أمر المهدي يعقوب بن داود بتوجيه الأمناء في جميع الآفاق ففعل فكان لا ينفذ المهدي كتابًا إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب إلى أمينه بإنفاذ ذلك‏.‏

وفيها غزا الغمر بن العباس في البحر‏.‏

وفيها ولي نصر بن محمد بن الأشعث السند مكان روح بن حاتم ثم عزل بعبد الملك بن شهاب فبقي عبد الملك ثمانية عشر يومًا ثم عزل وأعيد نصر من الطريق‏.‏

وفيها استقضى المهدي عافية القاضي مع ابن علاثة بالرصافة‏.‏

وفيها عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة واستعمل عليها عبد الصمد بن علي واستعمل عيسى بن لقمان على مصر ويزيد بن منصور على سواد الكوفة وحسان الشروي على الموصل وبسطام بن عمرو التغلبي على أذربيجان‏.‏

وفيها توفي نصر بن مالك من فالج أصابه وولى المهدي بعده شرطته حمزة بن مالك وصرف أبان بن صدقة عن هارون الرشيد وجعل مع موسى الهادي وجعل مع هارون يحيى بن خالد بن برمك‏.‏

وفيها عزل محمد بن سليمان أبو ضمرة عن مصر في ذي الحجة ووليها سلمة بن رجاء وحج بالناس موسى الهادي وهو ولي عهد وكان عامل مكة والطائف واليمامة جعفر بن سليمان وعامل اليمن علي بن سليمان وكان على سواد الكوفة يزيد بن منصور وعلى أحداثها إسحاق بن منصور‏.‏

وفيها توفي سفيان الثوري وكان مولده سنة سبع وتسعين وزائدة بن قدامه أبو الصلت الثقفي الكوفي وإبراهيم بن أدهم بن منصور أبو إسحاق الزاهد وكان مولده ببلخ وانتقل إلى الشام فأقام به مرابطًا وهو من بكر بن وائل ذكره أبو حاتم البستي‏.‏

  ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائة

وفي هذه السنة قتل عبد السلام بن هاشم اليشكري بقنسرين وكان قد خرج بالجزيرة فاشتدت شوكته وكثر أتباعه فلقيه عدة من قواد المهدي فيهم‏:‏ عيسى بن موسى القائد فقتله في عدة ممن معه وهزم جماعة من القواد فيهم شبيب بن واج المروروذي فندب المهدي إلى شبيب ألف فارس وأعطى كل رجل منهم ألف درهم معونة فوافوا شبيبًا فخرج بهم في طلب عبد السلام فهرب منه فأدركه بقنسرين فقاتله فقتله بها‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة وضع المهدي ديوان الأزمة وولى عليها عمرو بن مربع مولاه وأجرى المهدي على المجذمين وأهل السجون الأرزاق في جميع الآفاق‏.‏

وفيها خرجت الروم إلى الحدث فهدموا سورها وغزا الصائفة السحن بن قحطبة في ثمانين ألف مرتزق سوى المتطوعة فبلغ حمة أذرولية وأكثر التحريق والتخريب في بلاد الروم ولم يفتح حصنًا ولا لقي جمعًا وسمته الروم التنين وقالوا‏:‏ إنما أتى الحمة ليغتسل من مائها للوضوح الذي به ورجع الناس سالمين‏:‏ وفيها غزا يزيد بن أسيد السلمي من ناحية قاليقلا فغنم وافتتح ثلاثة حصون وسبى‏.‏ وفيها عزل علي بن سليمان عن اليمن واستعمل مكانه عبد الله بن سليمان وعزل سلمة بن رجاء عن مصر ووليها عيسى بن لقمان في المحرم وعزل عنها في جمادي الآخرة ووليها واضح مولى المهدي ثم عزل في ذي القعدة ووليها يحيى الحرشي‏.‏

وفيها خرجت المحمرة بجرجان عليهم رجل اسمه عبد القهار فغلب عليها وقتل بشرًا كثيرًا فغزاه عمر بن العلاء من طبرستان فقتله عمر وأصحابه وكان العمال من تقدم ذكرهم فكانت لجزيرة مع عبد الصمد بن علي وطبرستان والرويان مع سعيد بن دعلج وجرجان مع مهلهل بن صفوان‏.‏

وفيها أرسل عبد الرحمن صاحب الأندلس شهيد بن عيسى إلى دحية الغساني وكان عاصيًا في بعض حصون إلبيرة فقتله وسير بدرًا مولاه إلى إبراهيم بن شجرة البرلسي وكان قد عصى فقتله وسير أيضًا ثمامة بن علقمة إلى العباس البربري وهو في جمع من البربر وقد أظهر العصيان فقتله أيضًا وفرق جموعه‏.‏

وفيها سير جيشًا مع حبيب بن عبد الملك القرشي إلى القائد السلمي وكان حسن المنزلة عند عبد الرحمن أمير الأندلس فشرب ليلة وقصد باب القنطرة ليفتحه على سكر منه فمنعه الحرس فعاد فلما صحا خاف فهرب إلى طليطلة فاجتمع إليه كثير ممن يريد الخلاف والشر فعاجله عبد الرحمن بإنفاذ الجيوش إليه فنازله في موضع قد تحصن فيه وحصره ثم إن السلمي طلب البراز فبرز إليه مملوك أسود فاختلفا ضربتين فوقعا صريعين ثم ماتا جميعًا‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي إفريقية وقد جاوز تسعين سنة وسبب موته أنه أكل عند يزيد بن حاتم سمكًا ثم شرب لبنًا وكان يحيى بن ماسوية الطبيب حاضرًا فقال‏:‏ إن كان الطب صحيحًا مات الشيخ الليلة فتوفي من ليلته تلك والله أعلم‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة

  ذكر غزو الروم

في هذه السنة تجهز المهدي لغزو الروم فخرج وعسكر بالبردان وجمع الأجناد من خراسان وغيرها وسار عنها وكان قد توفي عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس في جمادى الآخرة وسار المهدي من الغد واستخلف على بغداد ابنه موسى الهادي واستصحب معه ابنه هارون الرشيد وسار على الموصل والجزيرة وعزل عنها عبد الصمد بن علي في مسيرة ذلك‏.‏

ولما حاذى قصر مسلمة بن عبد الملك قال العباس بن محمد بن علي للمهدي‏:‏ إن لمسلمة في أعناقنا منة كان محمد بن علي مر به فأعطاه أربعة آلاف دينار وقال له‏:‏ إذا نفدت فلا تحتشمنا‏!‏ فأحضر المهدي ولد مسلمة ومواليه وأمر لهم بعشرين ألف دينار وأجرى عليهم الأرزاق وعبر الفرات إلى حلب وأرسل وهو بحلب فجمع من بتلك الناحية من الزنادقة فجمعوا فقتلهم وقطع كتبهم بالسكاكين وسار عنها مشيعًا لابنه هارون الرشيد حتى جاز الدرب وبلغ جيحان فسار هارون ومعه عيسى بن موسى وعبد الملك بن صالح والربيع والحسن بن قحطبة والحسن وسليمان ابنا برمك ويحيى بن خالد بن برمك وكان إليه أمر العسكر والنفقات والكتابة وغير ذلك فساروا فنزلوا على حصن سمالوا فحصره هارون ثمانية وثلاثين يومًا ونصب عليه المجانيق ففتحه الله عليهم بالأمان ووفى لهم وفتحوا فتوحًا كثيرة‏.‏

ولما عاد المهدي من الغزاة زار بيت المقدس ومعه يزيد بن منصور والعباس بن محمد بن علي والفضل بن صالح بن علي وعلي بن سليمان بن علي وقفل المسلمون سالمين إلا من قتل منهم وعزل المهدي إبراهيم بن صالح عن فلسطين ثم رده‏.‏

  ذكر عدة حوادث

وفي هذه السنة ولى المهدي ابنه هارون المغرب كله وأذربيجان وأرمينية وجعل كاتبه على وفيها عزل زفر بن عاصم عن الجزيرة واستعمل عليها عبد الله بن صالح‏.‏

وفيها عزل المهدي معاذ بن مسلم عن خراسان واستعمل عليها المسيب بن زهير الضبي وعزل يحيى الحرشي عن أصبهن وولى مكانه الحكم بن سعيد وعزل سعيد بن دعلج عن طبرستان والرويان وولاهما عمر بن العلاء وعزل مهلهل بن صفوان عن جرجان وولاها هشام بن سعيد‏.‏

وكان على مكة والمدينة والطائف واليمامة جعفر بن سليمان وكان على الكوفة إسحاق بن الصباح وعلى البصرة وفارس والبحرين والأهواز محمد بن سليمان وعلى السند نصر بن محمد بن الأشعث وعلى الموصل محمد بن الفضل‏.‏

وحج بالناس هذه السنة علي بن المهدي‏.‏

وفيها أظهر عبد الرحمن الأموي صاحب الأندلس التجهز للخروج إلى الشام بزعمه لمحو الدولة العباسية وأخذ ثأره منهم فعصى عليه سليمان بن يقظان والحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد بن عثمان الأنصاري بسرقسطة واشتد أمرهما فترك ما كان عزم عليه‏.‏

وفيها مات موسى بن علي بن رباح اللخمي بضم العين مصغرًا ورباح بالباء الموحدة‏.‏

وفيها مات إبرهيم بن طهمان وكان عالمًا فاضلًا وكان مرجئًا من أهل نيسابور ومات بمكة‏.‏

وفيها توفي بكار بن شريح قاضي الموصل بها وكان فاضلًا وولي القضاء بها أبو مكرز الفهري واسمه يحيى بن عبد الله بن كرز‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وستين ومائة

في هذه السنة غزا عبد الكبير بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب من درب الحدث فأتاه ميخائيل البطريق وطاراذ الأرمني البطريق في تسعين ألفًا فخاف عبد الكبير ومنع الناس من القتال ورجع بهم فأراد المهدي قتله فشفع فيه فحبسه‏.‏

وفيها عزل المهدي محمد بن سليمان عن البصرة وسائر أعماله واستعمل صالح بن داود مكانه‏.‏وفيها سار المهدي ليحج فلما بلغ العقبة ورأى قلة الماء خاف أن الماء لا يحمل الناس وأخذته أيضًا حمى فرجع وسير أخاه صالحًا ليحج بالناس ولحق الناس عطشٌ شديد حتى كادوا يهلكون وغضب المهدي على يقطين لأنه صاحب المصانع‏.‏

وفيها عزل عبد الله بن سليمان عن اليمن عن سخطة ووجه من يستقبله ويفتش متاعه ويحصي ما معه واستعمل على اليمن منصور بن يزيد بن منصور وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وفيها سار عبد الرحمن الأموي إلى سرقسطة بعد أن كان قد سير إليها ثعلبة بن عبيد في عسكر كثيف وكان سليمان بن يقظان والحسين ابن يحيى قد اجتمعا على خلع طاعة عبد الرحمن كما ذكرنا وهما بها فقاتلهما ثعلبة قتالًا شديدًا وفي بعض الأيام عاد إلى مخيمه فاغتنم سليمان غرته فخرج إليه وقبض عليه وأخذه وتفرق عسكره واستدعى سليمان قارله ملك الإفرنج ووعده بتسليم البلد وثعلبة إليه فلما وصل إليه لم يصبحبيده غير ثعلبة فأخذه وعاد إلى بلاده وهو يظن أنه يأخذ به عظيم الفداء فأهمله عبد الرحمن مدة ثم وضع من طلبه من الفرج فأطلقوه‏.‏

فلما كان هذه السنة سار عبد الرحمن إلى سرقسطة وفرق أولاده في الجهات ليدفعوا كل مخالف ثم يجتمعون بسرقسطة فسبقهم عبد الرحمن إليها وكان الحسين بن يحيى قد قتل سليمان بن يقظان وانفرد بسرقسطة فوافاه عبد الرحمن على أثر ذلك فضيق على أهلها تضييقًا شديدًا‏.‏

وأتاه أولاده من النواحي ومعهم كل من كان خالفهم وأخبروه عن طاعة غيرهم فرغب الحسين في الصلح وأذعن للطاعة فأجابه عبد الرحمن وصالحه وأخذ ابنه سعيدًا رهينة ورجع عنه وغزا بلاد الفرنج فدوخها ونهب وسبى وبلغ قلهرة وفتح مدينة فكيرة وهدم قلاع تلك الناحية وسار إلى بلاد البشكنس ونزل على حصن مثمين الأقرع فافتتحه ثم تقدم إلى ملدوثون بن اطلال وحصر قلعته وقصد الناس جبلها وقاتلوهم فيها فملكوها عنوةً وخربها ثم رجع إلى قرطبة‏.‏وفيها ثارت قتنة بين بربر بلنسية وبربر شنت برية من الأندلس وجرى بينهم حروب كثيرة قتل فيها خلق كثيرة من الطائفتين وكانت وقائعهم مشهورة‏.‏

وفيها مات شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي النحوي البصري وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وعيسى بن علي بن عبد الله بن عباس عم المنصور وقيل‏:‏ مات سنة ثلاث وستين وكان عمره ثمانيًا وسبعين سنة وقيل ثمانين سنة وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي وسلام بن مسكين النمري الأزدين أبو روح والمبارك بن فضالة بن أبي أمية القرشي مولى عمر بن الخطاب‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وستين ومائة